Sunday, August 17, 2014

عمو سيف

في عام ٢٠٠٥ عندما قررت ان اترك الصحافة كمهنة اول ما فكرت به هو ما الذي سأخذه معي من تجربة ١٢ سنة في العمل الصحفي. والاجابة بمنتهى السهولة كانت كل من الهمني في رحلتي هذه. كنت قد عملت كصحفية اساساً في لبنان مع زيارات متعددة الى سوريا والعراق ثم في مصر منذ ٢٠٠١. واخذتني رحلتي هذه الى كل مكان. الشارع وداخل بيوت الناس، مؤتمرات ومقابلات مع سياسين ونشطاء وافراد. في لبنان مسكت اكثر من ملف (حزب الله، وضع المعتقلين اللبنانيين في اسرائيل، ملف المخطوفين والمفقودين خلال الحرب الاهلية اللبنانية، حقوق المرأة والطفل وذوي الاحتياجات الخاصة واهتميت ان اغوص في العمق في هذه الملفات.

لن انسى مدى حياتي بكاء ام أحمد بحرقة على ابنها المفقود. تنتظره في بيتها المتهالك في حي السلم في ضاحية بيروت الجنوبية وترفض طلب اولادها الآخرين بالسفر حيث هاجروا هم. اشياءه في مكانها. تنتظره. ولن تبرح مكانها. اعلم ذلك.

لن انسى مزارعة التبغ في ضيعة حولا في جنوب لبنان والتي زرتها عندما كانت ما زالت تحت الاحتلال الاسرائيلي. الفخر والهمة والطاقة في وجهها الاسمر وعينيها الخضر.

وفي مصر، حيث وصلت لأفتش عن الالهام الذي كنت تعرضت اليه وانا ما زلت في لبنان من كبار مثل محي الدين اللباد وبهجت عثمان وجميل شفيق، وجدت أحمد سيف.

كنت اغتنم كل فرصة لأزوره في مكتبه في التوفيقية لإجراء مقابلة عن موضوع من المواضيع الكثيرة التي يتابعها. ونجلس ساعتين او اكثر ويأخذنا الحديث من موضوع الى آخر. يعيرني مراجع اقرأها عندما نتطرق لموضوع معين.

في ٢٠٠٦ قابلت علاء ومنال في إطار العمل على تطوير الافكار لمشروع معسكرات التعبير الرقمي العربي. عندما قلت لعلاء وقتها اني تركت الصحافة مؤخراً صرّح انه قرار ذكي.

عندما قررت ترك الصحافة وكنت بعد لم اقرر خططي بعدها قال لي علي، في تصريح نادر جداً عليه، انه قرار "حكيم".

اعترفت لعلاء وقتها – في ٢٠٠٦ – ان اكثر ما اشتاق اليه هي الناس الملهمة – مثل ابيه - التي كانت مهنتي تعطي لي المساحة في التعمق معها.

عملي في مشروع المعسكرات وبعدها في أضف اعطى لي المساحة ان اعمل فقط مع الاشخاص الملهمين والمؤثرين في مجتماعتهم. واجتمعت عائلاتنا واصبحنا اكثر قرباً وحباً ودفئاً.

في ليلة كنا فيها في زيارة سوياً في ٢٠٠٩ وفي سياق حديثي اعترض عمو سيف على تعليق لي عن الحاجة الى بعض الانضباط في التربية وقال: “بس خدي بالك من القسوة.”

في السنين اللاحقة كان موقفي ان لدي المساحة لفرض الانضباط على اولادي لإيماني انها مهارة ضرورية في حياتهم – ان عندي هذه المساحة – لأن علي ابوهم. وبالتالي علي سيلعب دور المربّي الملهم وانا -المسؤولة عن كل البنى التحتية لحياتنا – سأخذ المهمة التي لا يريدها احد لكنها وجودها اساسي وضروري.

قبل سفرنا الاسبوع الماضي الى فايد للمعسكرات، ذهبت بصحبة صديقي مصطفى سعيد الى المستشفى لزيارة عمو سيف. كان متعباً وبرغم تعبه وقلة كلامه قال لي بكل حزم وانا اودعه واقبّل رأسه وكتفه ويده: “خدي بالك من الاولاد.”




No comments:

Post a Comment