Saturday, January 29, 2011

قُدر لي أن أكتب الليلة. تم العزل الشامل و رجعنا الى العصر الحجري. لا إنترنت و لا تليفون من أصله يا ولاد الكلب وورونا ح تعملوا إيه. يا سلااااااااااااام... ح ننزل الشارع! خلاص مش محتاجين نتواصل و ننظم، عملنا كل ده و انتم نايمين و دلوقته جاهزين كل الجهوزية ننزل الشارع. كده ضمنتم زوالكم. شكراً على غباءكم. شكراً شكراً شكراً.

أصيلة يا مصر أصيلة يا مصر أصيلة يا مصر. صح إللي قال ثورة الجمال. يفرج المصريون عن روعتهم كما حلمنا بهم. وقعت في غرام مصر و كنت لم أزرها بعد. وصلتني ملامح من جمال روحها، من إنسانيتها، من موهبتها و إبداعها، من شغفها و خفة دمها. شخصيات عديدة ملهمة أشد الإلهام مثل بهجت عثمان، بدر حمادة، محي الدين اللباد، جميل شفيق و شخصيات تربت على هذه الروح مثل هنادي سلمان و سحر مندور.

عندما وصلت إليها كانت في أحلك مراحلها و استمر الإنحطاط سنوات عدة. غصت في الكثير من دوائرها اللامتناهية بحثاً عن تلك الروح و عندما وجدتها أُلهمت مجدداً. ها هي تبرز في أجمل حلتها. نحن في اليوم الثالث من الثورة و ينتظرنا غداً....

انقطعت عن الكتابة لأسمع خبر مخيف عما قد ينتظرنا غداً. لم تتأكد المعلومات بعد لكن حالة ترقب مفزعة جداً هبطت على مجموعة من الناشطين يقدر عددهم بالعشرات. محامون و ناشطون في مركز هشام مبارك و عايدة سيف الدولة من مركز النديم و صحفيون.

صوت عايدة على الهاتف زادني خوفاً. صوت خافت جداً، كأنها لا تريد ان تكرر التقرير المفزع الذي سمعته، لأنها لم تتصور انه ممكن ان يحصل. "الإحساس كأننا نعيش الآن ما كنا نقرأ عنه من مجازر في كتب التاريخ.”

تم إفراغ تام لكل مظاهر الأمن من شوارع وسط البلد، أأكده شخصياً و من ثم من عدة ناشطين ذهبوا في أكثر من دورية لإستكشاف الوضع على الأرض. سمعته بعد دقائق من مصدر آخر. ثلاثة مصادر موثوقة جداً بمصداقيتها و معلوماتها تقول ان الأمن انسحب بالكامل. الأصوات نفسها – رعب.

التوقعات إما ان يحصل تخريب، عنف و بطش، تحطيم لكل وسائل التصوير و التسجيل التي تشهد عما سيحصل. مجزرة بمعزل عن كل العالم؟ ما أراه ان الرهان ان لا يرى العالم ما سيحصل بعد بضعة ساعات. التوقع الثاني – الأمل - هو ان ينزل الجيش.

يوجد كلام ان الاتصال بالمحمول، الوسيلة الوحيدة المتبقية للإتصال،قد تقطع في الساعة الرابعة صباحاً. الساعة الآن 3:24. قدري ان يكون إتصالي الوحيد للخارج مع ميسرة في رام الله. أخذ التفاصيل و سيحاول الإتصال بي الساعة الرابعة. أبلغته في آخر المكالمة ان يبلغ زوجي بآخر الأخبار حيث إذا إنقطع الإتصال لن يعرف أخباري. قد يبقون على التليفون الأرضي.

زوجي و طفلي رامي في عامه الأول في مهمة في فلسطين لإستخراج جواز سفر له.

فجأة فعلاً أشعر أننا رجعنا للعصر الحجري. تذكرت الآن ما قاله لي مرة عمي نبيل شعث عن مبارك في 1994. “مش حسمح بالكلام الفارغ ده (الساتيلايت ثم الإنترنت) و فوق جثتي.” الكلام ان سوزان و جيمي ضغطوا لتمريره.

قرأت تويتة البارحة من شخص يقول انه موظف في القصر الرئاسي و أن الريس لم ينم منذ يومين. أتخيله يقول: “مش قولتلكم؟ خلاص شيلوا الهباب ده و إحرقوا الكلاب دول.”

من سخرية القدر ان أشعر بعدم الأمان في القاهرة و أكون مطمئنة ان زوجي و طفلي في رام الله في أمان أكثر.

هل أفرطنا في الحلم؟ إنتشينا من الإنجازات الملهمة التي حققناها الثلاثاء و تتابع إندلاع النضال كالنار في حرب شوارع من كر و فر في القاهرة في نضال أهل السويس الشباب الذي يلهمهم قائد المقاومة الشعبية في 1973 الشيخ سلامة البالغ من العمر 90 سنة و الشيخ زويد التي فجرت غضبها على الأمن و السلوم و الإسماعيلية و إنصهار الناس ببعضهم بثقة لامتناهية.

يوم الثلاثاء عاش الآلاف منا حالة فريدة هزتنا و ألهمتنا و أعادت الأمل و العزة و أنعشت الروح. شباب محترم ، منظم، حنون و رقيق, و غاضب غنوا و رقصوا و قالوا شعر و وقفوا ببسالة و شجاعة أمام البطش. شاركوا طعامهم مع عساكر الأمن المركزي المقهورين من نفس النظام. نادوا على اهاليهم "ضموا معنا" و نزلت او لوحت لهم بحماس من المباني. كانوا شبان و شابات متصاهرين متآخين متضامنين بسمو و نبالة. روح مصر الملهمة. و نجحوا في إستمرارها في هذين اليومين و توالت باقي الجموع من أطباء يعلنون نزولهم بالبالطو الابيض لإسعاف الشباب في نضالهم. ثم صحفيين و فنانين و مؤسسات ثقافة. بدأت أفكار تنشىء من امهات بالتجمع و شباب يندم انه لم يشارك يوم الثلاثاء و مستعد بحماسة شديدة و بأمل غريب من نوعه عليهم – شعورهم بالعزة في إنتمائهم لمصر. و شارك العالم معنا و توالت شرعية التحرك في أنحاء مصر، الغضب نفسه يتشاركه شعب قهر و أُهمل بالكامل.

إستخفوا بالشباب ففاجئوهم بقدر ما فوجئوا هم أنفسهم. صدقنا و دوسنا. مهما سيحصل لنا غداً لن نتنازل عن هذه الروح.

يوم جمعة الغضب: إنتصرنا. مصر اليوم غير مصر البارحة.


التخريب سيد الوضع. هذا هو القرار. واضح من كلام الريس الذي تغنى بالأمن و الإستقرار. سيّبوا كلابهم يعثون الفوضى، سرق و نهب و حرق و تخريب. الجيش نزل لكن لتأمين كل المحطات الحيوية و السفارات و ليس الشعب. ما أنجزه الشعب يوم جمعة الغضب سيستمر و إنعدام الأمن الذي يراهن عليه نظام مبارك لن ينجح. سيهب المواطنين لتأمين أنفسهم و تتم الدعوة لخلق لجان شعبية لتنظيم الوضع الى حين إسقاط النظام.

Saturday, January 22, 2011

ضد إرادتي

مشكلتي أن الموضوع ضد إرادتي.

يسافر زوجي يوم 25/1/2011 مع طفلي رامي الى رام الله لإستخراج جواز سفر له بعد فشل دام عاماً منذ ولادته في إستخراج وثيقة من السلطات المصرية. عقدنا النية ان نسافر الى رام الله لنحل المشكلة أنا و زوجي و ابني نديم (4سنوات) و رامي و هكذا نستخرج جوازات لنديم و رامي. رفضت سلطات الإحتلال الإسرائيلي طلب تصريح دخول لي مرتين إثنين طبعاً من دون مبررات و هكذا قررنا أن يسافر زوجي علي وحده مع رامي و أنتظر أنا و نديم في القاهرة. وضع رامي ملحّ حيث انه أمضى السنة الأولى من حياته من غير أي وثيقة تثبت وجوده. لم يكن لديه إلا ورقة من المستشفى تقول انني انجبت طفلاً ذكراً في تاريخ
27/12/2009.

نجحنا في إستخراج وثيقة مصرية لنديم بالصدفة - فوضى البيرقراطية المصرية أنجدتنا مع نديم. لم يكن لرامي الحظ نفسه.

أجد نفسي بعد ان تحدد موعد السفر أغضب لحظة بعد لحظة. أحاول ان اهديء من نفسي: الحمدلله انه يوجد حل، الحمدلله انني لن اقلق على رامي فهو مع أبيه و ذاهب الى بيت جده. لكنني أجد نفسي و انا اشتري شنطة غذاء إضافية سيحتاجها خلال السفر غاضبة. نحن دائما مع بعض، لم نحتج قبل اليوم الى اكثر من شنطة غذاء واحدة نضع فيها ما يحتاجه نديم و رامي عند السفر. سنفترق الآن - لمدة أسبوع أو اسبوعان - حسب سرعة الإجراءات.

منذ ولادة رامي إفترقت عنه مرة واحدة لمدة 5 أيام للمشاركة في ورشة التقنيات العرب في بيروت في إبريل 2010. لكن ذلك كان بإرادتي.

مشكلتي أن ما يحصل ضد إرادتي. و سأعيش دهراً الى حين معانقة طفلي مجدداً.