Sunday, April 27, 2014

كتبت في ٢٣ يناير ٢٠١٤

كتبت هذا النص بعد رحلة ٣ ايام الى عمان في يناير.


عدت الى بيتي وقبلت وحضنت نديم ورامي ولعبنا بالهدايا ثم دخلنا الى النوم. خرجت بعدها الى الصالة. وتكلمت مع علي. اعدت احياء آخر نقاش اجريناه قبل ان ننزل يومها – يوم الاربعاء. كان عن موقع الوان واوتار الجديد في بلبيس وكنا مهمومين في التفكير عن سبل استخدام المساحة لإفادة الشباب الذين نعمل معهم. وبعدين قلتلك كفاية شغل يا علي.

رفعت رأسي ونظرت الى صورة زفافنا. هديتك لي في عيد ميلادي ال ٣١. وقتها, كبر حجم الصورة اخجلني وخلال السنوات التي تلت كنت اتعمد وضعها في زوايا بعيدة من بيتنا. في بيت الزمالك ثم بيت المقطم. هي في قلب الغرفة الآن. فرحتنا ببداية مشوارنا. الاولوية للاحتفال الدائم بالحب.

Monday, April 21, 2014

سلام على علي شعث - لينا عطاالله، شيرين سيقلي، ميسرة عبد الحق ١٩ ديسمبر ٢٠١٣

في عام 1994، ساق علي شعث ومعه ثلاثة من أصدقائه، سعيد القدرة ومصطفى حرارة ومجد الخالدي من القاهرة إلى فلسطين. كانت تلك زيارة علي الأولى إلى الأرض التي شكلته من بعيد. كانت لحظة أمل وامكانية، وتلك هي اللحظات التي كان علي يعيش من أجلها. كان الرجال الأربعة أول من دخل غزة بعد المراحل المبدئية لاتفاقيات أريحا – أوسلو. في ذلك الوقت، كانت لحظات الحلم بالتغيير٬ وكان هدفهم إتاحة التكنولوجيا بشكل بسيط ورفيع في الوقت نفسه. لم ينم علي في ذلك اليوم، ولا في الأيام العديدة التي تلته، كانت تسيطر عليه الرؤى والأصوات التي كان يتخيلها منذ زمن طويل، بعدها شرع فورًا في العمل.
كان الرجال الأربعة مسؤولين عن البنية التحتية للمعلومات في الضفة الغربية وغزة. واجهوا تحديات مختلفة سواء المعارضة أو الاحتمال الحقيقي للموت. واجهوا ما بدا في ذلك الوقت أنه لا يقهر وهو تحدي هيئة المعلومات، من رواتب موظفي الحكومة إلى تنمية المكونات الصلبة والبرمجيات والتدريب على تفاصيل نقل الإدارة. وضع علي وفريقه القطاع الحكومي على الخريطة، وفي العام الأول من العمل على مدار الساعة أسسوا بنية تحتية معلوماتية واسعة.
شارك علي في جمع وقيادة الخبراء الفلسطينيين من الجامعات والمنظمات غير الحكومية التي تشرف على هذا الانتاج من المعلومات والاحتياجات الإدارية والهندسية للحكومة. ومن خلال تجديد قواعد البيانات والتدريب على "أوراكل" و "أونكس"، مهد علي وفريقه الطريق لوسائل جديدة يمكن أن تؤثر على شكل ومحتوى التعليم الثانوي والعالي. ومن خلال إظهار دقته العملية الفريدة، كما يتذكرها زملاؤه، واجه علي مصاعب فهم الظروف الصعبة والمتغيرة بسرعة وتحويل المناقشات الطويلة بسرعة إلى خطط عمل ملموسة. لقد فتح امكانيات أمام نوع جديد من المعرفة.
عرف علي في ذلك الوقت وفي أوقات كثيرة بذكائه الحاد، وتمثيله لجيل جديد يعد بمستقبل مختلف. لم يكن صوته يعلو ولم يوقفه أبدًا أي صراع صغير، كان معتزًا بنفسه، كان يبني جسورًا من الأمل والعمل الجاد والرؤية.
وكانت معسكرات التعبير الرقمي العربي هي إحدى المحطات التالية لعلي، فهنا يتجمع الشباب من أنحاء العالم العربي في معسكر صيفي ويبدأون في رحلة تعليمية تجريبية حيث يصبح الفن والتكنولوجيا مجالات خصبة للتعبير عن النفس واكتشاف الهوية. فعلى مدار سبعة معسكرات سنوية لعب علي عدة أدوار. أحيانًا كان مدربًا للإنتاج الصوتي، يمنح الصوت معنى جديداً كوسيلة للحكي، وأحيانًا أخرى، كان يحرك المشاركين في المعسكر صباحًا، ويلعب باللغة والجسد بمهارة، وهو مؤشر صغير على كيفية تطور التعبير في مجموعة من الأشكال.
وفي أحيان أخرى، كان علي مدير المعسكر، يضخ فطنته وحكمته في تسيير القوارب. وفي الخلفية كان دائما مخططا للعام المقبل، مع مجموعة من أكثر التقنيين والتربويين والمتحمسين للبرمجيات مفتوحة المصادر والفنانين شغفًا، لتشكيل بنية ومحتوى المعسكرات. كانت جلسات التخطيط تلك تتحول إلى أجزاء من الحياة في المعسكرات، حيث المتعة والفن واكتشاف كل ما هو جديد هو منهج العمل، ذلك العمل الذي يغلفه الحب.
كانت المعسكرات واحدة من البدايات المتعددة لرجل كان يبحث بشكل دائم عن طرق لممارسة التغيير. انحدر علي من نسل معسكرات الكومبيوتر العربية التي بدأت في عام ١٩٨٤ واستمرت لعشر سنوات في تدريب الآلاف من الأطفال العرب على لغات الكمبيوتر الأساسية، في مجال يعزز الثقافة العربية والوعي بالقضية الفلسطينية. كانت المعسكرات ملجأ للشباب الذين أصبحوا نشطاء بارزين في العالم العربي على الجبهة الأمامية في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في عملهم و محاولتهم إحداث تغيير.
لكن المعسكرات لم تكن النهاية بالنسبة لعلي، فبعد الثورة، أصبحت مؤسسة التعبير الرقمي العربي، التي أسسها علي وشريكته رنوة يحيى، موطن المعسكرات وأكثر. اسمها "أضف"، وقد أصبحت هي المنصة لأعمال مجموعات مختلفة في مجالات الفنون والإعلام، مستخدمين أدوات تكنولوجية تشجع الاستدامة والتمكين. وكما في المعسكرات، فقد تحرك علي على كافة الأصعدة في "أضف"، من مهندس كمبيوتر إلى مدير إلى وسيط إلى مدرب ومفاوض إلى فنان وأكثر. فكانت قدرته على التحرك بين الوظائف المختلفة انعكاسًا محتملاً لرغباتنا الطموحة في أوقات متزعزعة، حيث نصبح نحن الوحيدين القادرين على تحويل ما نتخيله إلى حقائق واقعة ملموسة على الأرض.
كان شغف علي بالحياة يأتي من الاكتشافات الجديدة. مثل رجل شرع في تزيين مساحته، أمضى علي وقته في الاكتشاف والجمع، هذه الرحلات اليومية كانت لحظاته من السعادة الخالصة،، نشوة الشعر، الموسيقى، نشوة وضع مجموعة كاريوكي باستخدام الأقراص الصلبة غيرها. قام علي ببناء تشكيلة كبيرة وصغيرة من الاهتمامات التي في مجملها كانت دافعًا للمعرفة لكل من حوله، لكن هذه التشكيلات كانت أيضًا شخصية جدًا في دوافعها، ومع اتساع أوجهها، ظلت مترابطة بعمق. كانت المعرفة لعلي بمثابة مغامرة، وكانت دائمًا رحلة شخصية.
و في "أضِف" تتبع هذه التعددية منطقًا فريدًا، ففي واحدة من أواخر محاولاته للكتابة عن وفرة نشاطات "أضف" المتعددة، قال علي إن المساحة هناك تعتبر مصنعًا ودكانًا في نفس الوقت، حيث يتم الترويج للبرمجيات المفتوحة والدفاع عنها من خلال تنميتها داخل المؤسسة نفسها. وبالمثل، يتم الترويج للتعليم البديل والذاتي، الذي لا يمكن أن يحدث إلا بتنمية وتطوير المنهج التعليمي في الداخل وتدريسه في المعسكرات. كما إنه لا يمكن الترويج للغة العربية على الإنترنت إلا من خلال تطوير أدوات التعريب والإسهام بنشاط في ويكيبيديا بالعربية.
ولأنه يسهل التعلق الشديد بالأدوات بالنسبة للتقنيين، فقد وضع علي الناس نصب عينيه، وقام بالتدريب والإشراف والنصح سواء من خلال المعسكرات أو من خلال تدريب المدربين أو من خلال المشاريع المختلفة التي دعمها. فهناك أشخاص خلف راديوهات الإنترنت يطمحون إلى بث أصواتهم عبر الأمواج يومًا ما، وفنانو جرافيتي يطمحون لمواجهة المدينة بتحيزاتها بين الجنسين، ومصورو فيديو يسعون نحو تحويل محتواهم إلى أرشيفات مفتوحة تصبح بمثابة مستودعات للمعرفة ومواقع نشطة للإنتاج.
كانت هذه أيام الأمل، تمسك علي سريعًا بهذا الأمل واستمر في البناء والتجديد. كان يعود إلى فلسطين عدة مرات منذ زيارته لها في رحلته الأولى في عام 1994. وفي رحلته الأخيرة، خلال آلام المخاض المليئة بالأمل للثورة في مصر وغيرها، التقى علي بجيل جديد من النشطاء، مشاركًا إياهم الاستراتيجيات، وملهمًا بالأفكار الطموحة وكعادته مستمعًا باهتمام.
في تلك الرحلة، وصل علي ونجله نديم إلى حيفا وعكا. وكانت تلك المرة الأولى التي يزور فيها علي المدن الساحلية التي شكلت الخيال والذاكرة. لم يتمسك بالماضي الذي ذهب، وإنما امتص جمال ما تبقى. غنينا مع نديم في السيارة بينما كنا نسافر في الطريق إلى عكا، أكلنا السمك على المتوسط واستمتعنا بجمال كوننا معا، وكان علي كما هو دائمًا، مصدرًا للبصيرة والفطنة، مثالا للحب الأبوي، ملهمًا في حكمته وتجسيدًا للأمل الفريد.
تجمع الكثيرون منا في الساعات المتأخرة للأربعاء ٤ ديسمبر عندما تركنا علي فجأة، مشتتين، فاقدين الوعي، مصدومين من قسوة الفراق. تجمعنا ممزقين من عدم التصديق والألم، وفي أقل من ساعة، كان علي قد رحل، فالمكان الذي يطلق على نفسه "مستشفى" لم يكن لديه جهاز تنشيط القلب بالرجفات الكهربائية أو حتى سيارة إسعاف لإنقاذه من أزمة قلبية متوحشة. وفي طريقه إلى مثواه الأخير، كان شباب المقطم، الذين أصبحت "أضف" بيتًا اختياريًا لهم، هم من حملوا نعشه.
وبعد يوم، ذهبنا جميعًا إلى الإسكندرية، مسقط رأس علي، لوداعه الأخير. كنا نستعد لما توقعنا أنها ستكون رحلة مشؤومة، إلا أن روح علي سرعان ما حلت علينا، وجدنا أنفسنا معًا حول طاولة مع الأطفال، نضحك ونأكل ونتواصل فكريًا ونتذكر.
على فراش الموت، كان علي يرقد بسلام مبتسمًا ربما لتذكيرنا بإرثه الذي تركه من الحب والضحك لنستمر به ومعه. نعاني الآن من خسارة فادحة، لكننا نواسي أنفسنا بالهدايا الكثيرة التي تركها لنا علي، ترك لنا الأمل في المستقبل، الطاقة التي لا تنتهي القائمة على فهم وثيق بالتاريخ، الالتزام بامكانية التغيير، دفئه واستعداده للحركة، سعة صدره للضحك والسعادة، بصيرته وقدرته العميقة على تقدير الفكر النقدي. لقد شملنا بإثارته وأشعلنا بطموحه للحرية، علّمنا أن ننتج المعرفة وأن نجدد استخدامها والوصول إليها. هذه هي الأشياء التي منحنا إياها علي شعث، ومن أجل الوقت الذي قضيناه معه، نعتبر أنفسنا محظوظين.


http://arabic.jadaliyya.com/pages/index/15641/سلام-على-علي-شعث

من ميناء عكّا إلى شاطئ إسكندرية، إلى علي شعث - رشا حلوة ٧ ديسمبر ٢٠١٣

كتبت رشا حلوة


المشهد الأول
مايو 2012. بار في فندق. المجموعات الأولى للمشاركين وصلت إلى شرم الشيخ. الليلة الأولى؛ فعاليات أغان ورقص بوتيرة متصاعدة إلى أن وصلت قمتها عند الواحدة صباحاً. علي يمسك في يده دربكة ونغني معه أغاني وردة الجزائرية. نغني ونرقص ونضحك. المشاركون القادمون من تونس تأخروا في مطار القاهرة. ساد قلق بأن لا يصلوا عند بداية المؤتمر أو القلق الأكبر يكمن باحتمال إعادتهم إلى تونس. الأغاني مستمرة؛ فلسطينيون ومصريون وسوريون ولبنانيون وأردنيون. انتهت فقرة أغاني وردة. انتقلنا إلى أغاني محمد منير.

المشهد الثاني
فور رحيل علي بحثت في الملفات القديمة ووجدت من هذه الليلة مقطعاً مصوراً ًقصيراً يوثق لثوانٍ معدودة علي حين كان يغني: "آه يا لا لا لي.. يا بو العيون السود يا خلي".

المشهد الثالث
في صباح اليوم الثاني لحلقة الأغاني والرقص في شرم الشيخ، استيقظنا على خبر رحيل وردة الجزائرية.


المشهد الرابع
في الليلة الثانية للمؤتمر، عند منتصف الليل، كان قد وقع اختيار شاطئ البحر أن يضم سهرتنا هذه المرة. كنا نختار سهراتنا كلّ ليلة في مكان مختلف داخل الفندق. بعد بداية السهرة بقليل، قررت أن أترك المجموعة وأذهب وحدي قليلاً لأتأمل البحر، ومن ثم عُدت إليهم، فإذ بمجموعة من الأصدقاء تغني أغاني تونسية وتجلس على مقاعد البحر. ومجموعة ثانية، تضم علي ورنوة وخالد وتحرير، تغني أغاني الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم. فجأة، توقفت المجموعة التونسية عن الغناء، وانضمت إلى مجموعة الأغاني المصرية. وبعد انتهاء فقرة "الشيخ إمام"، أحضر علي جيتاراً كي يغني بذات التلقائية والعفوية والسعادة، الأغنية التي انشهرت بصوته وأدائه أكثر من مغنيها الأصلي ياسر المناوهلي: "قلة مندسة". غنّى الأبيات وكنا نغني اللازمة معه. وفي تلك الأثناء، رُسمت على وجوهنا الابتسامة التي تشبه ابتسامة علي، كأنها تنتقل إلينا منه، بسحر ما.
في تلك الليلة أخبرت علي ورنوة: "بدي أحكيلكو فكرة". أجاباني: "طبعاً، خلينا نحكي قبل ما نرجع القاهرة وترجعي عكّا".

المشهد الخامس
انتهى المؤتمر. الفندق فارغ. كانت الغالبية قد غادرت باكراً. علي ورنوة والعائلة سيعودون إلى القاهرة من شرم الشيخ بالسيارة التي استقلوها. كانا جالسين في غرفة الاستقبال الفندقية. جلست بجانبهما وحدثتهما عن فكرة إنشاء "راديو أون لاين" للمنطقة العربية كلّها ويتحدث بلهجاتها. كعادتهما، شجعاني على كتابة المشروع وإرساله والبدء في خطواته الأولى. كانت المحادثة باللهجة الفلسطينية واللبنانية، وسرعان ما تحولت إلى المصرية حينما توجه إليهما ابنهما نبيل لسؤالهما: "إمتى هانمشي؟".



المشهد السادس
يناير 2013. وصلت القاهرة وقصدت مؤسسة "أضف" في المقطم، لإقامة الاجتماع الأول لحُلم "راديو الإنترنت". احتضن اللقاء عددًا صغيرًا من محبّي الفكرة والأصدقاء. مجموعة تقنية وأخرى تعنى بالمضامين. لكن، لم تكن تلك التفرقة ذات أهمية. كنا نريد "أون لاين راديو"، وكانا رنوة وعلي حارسين لهذا الحلم. أذكر "لايك" رنوة في اليوم الأول لهذا اللقاء، حين كتبت عبر الستاتوس: "أن تتحقق الأحلام". لم أبح لها بأي تفصيل عن القصد من الستاتوس أو الحُلم، لكنها فهمتني. هي تفهمنا دوماً. وكانا سوياً يفهماننا دوماً.
اقترح علينا علي عندها أن نقوم بتسجيل تجريبي لفقرات الراديو. وبادر بدوره بتسجيل صوته. فقال: "هُنا راديو.. هُنا". رشا، صديقتي وشريكتي اللبنانية، قامت بالتسجيل عبر هاتفها النقال.

المشهد السابع
بعد رحيل علي بيوم واحد، أرسل لي زميلي أحمد عبر التويتر ليستفسر عن مكان هذا التسجيل. على الفور تواصلت مع رشا عبر "الواتساب"، وأخبرتي بأسف وحزن بأن ملفات "الميديا" اختفت كلّها من الهاتف.
لماذا لم نحتفظ بالملفات عندها؟ لماذا لم ننقلها إلى "مكان أكثر أمانًا"؟ لماذا لم نسمع نصيحة "غاوي الأراشيف"؟ ولماذا اعتقدنا بأن نصيحة علي مرتبطة بالملفات العامة فقط؟ ولم نسمع كلماته التي بين السطور، التي ربما لم يبح بها بصوتٍ عال: "احفظوا لي صوتي.. احفظوا أصواتكم".  

المشهد الثامن
في الليلة ما قبل انتهاء لقاء الراديو. ذهبنا أنا ورشا إلى بيت رنوة وعلي في المقطم. كان موعد الزيارة بعدما ذهب الأولاد الثلاثة إلى النوم. ضوء خفيف في الصالة. الجوّ دافئ برغم برد منطقة المقطم المرتفعة. قامت رنوة إلى المطبخ لتجهز لنا الشاي. وحين عادت إلى الصالة، بدأنا أنا ورشا بسرد ملخص ما احتوى اللقاء من مضامين واستنتاجات وتخطيطات وخطوات مستقبلية. كانا رنوة وعلي في كامل الإصغاء. وحين انهينا أنا ورشا المداخلة، بادر علي بأفكار جديدة وببعض النصائح. وكان الاقتراح الذي لا زال عالقاً في ذهني، برغم الاقتراحات كلّها التي كتبتها على الدفتر الصغير: "أعدّوا برنامجاً أو فقرة تطلب من المستعمين أن يقوموا بتسجيل الصوت المفضل لديهم في القرية أو المدينة، وقوموا بإسماعها عبر الراديو، على أن تتيحوا فرصة التصويت للمستعمين عن أفضل صوت كلّ أسبوع". وأضاف: "إن أهم ما في فكرة الراديو ومشاريع الويب عموماً أن يكون للمستمع وللمستخدم دوراً فاعلاً".
لم يتقدم المشروع بخطوات ملموسة يا علي، لكني أعدك بأن لا أضع هذا الحلم جانباً.

المشهد التاسع
سأعود بالأيام قليلاً، إلى ما قبل العام 2012؛ إلى نهاية يناير 2011. إلى بيت صغير في رام الله، تجلس في صالته مجموعة تصل إلى 20 شخصاً من الأصدقاء والصديقات، تتابع قنوات التلفاز كلّها؛ العربية والمصرية، بقلق وخوف، وبإهمال لكلّ أمر يحدث خارج المشهد المصري. كان علي قادماً بزيارة سريعة إلى فلسطين. بصراحة، لا أذكر من كان برفقته، نبيل أم نديم أم رامي. لكنه كان سعيداً لاصطاحب أحدهم لأول مرة إلى فلسطين، ومتفائلاً بما يحدث في مصر. كأن الذي جعل زيارته في نفس موعد بداية الثورة المصرية أمرًا مقصودًا. فحضوره معنا، تحليلاته، رؤيته وابتسامته المرافقة للسرد، كانت كلّها أسباب تراكمية لأمل لم يصل إلى ذروته يوم 11 فبراير 2011، بل هو مستمر حتى يومنا هذا.

المشهد العاشر
بصراحة، لا أذكر تاريخ هذا المشهد. لكنه بلا شك كان بعد يناير 2011، وغالباً كان ما قبل يناير 2012. لكني أذكر بأنه كان يوم جمعة، وكنت أنا في استضافة علي ورنوة والعائلة لوجبة إفطار متأخرة. كانت الإستضافة في بيت العائلة القديم في الزمالك. الجوّ لطيف. وصلنا أنا وصديقي ميسرة بساعة متأخرة نسبياً عن الموعد الذي دعونا إليه. وكانوا قد سبقونا. ونحن بدورنا كنا نأكل ونتحدث معهم. كان الحديث يدور غالباً حول مصر، وكان علي متفائلاً كعادته. بعد أن انتهينا من الأكل، تطرق علي بحديثه إلى زيارته الأخيرة إلى فلسطين. يومها دخل إلى الأراضي المحتلة عام 1948، وأخبرني عن المدن التي زارها. وأضاف: "يتعامل الفلسطيني في الـ48 مع الإسرائيلي في أمور الحياة؛ الجامعة، العمل، موقف السيارات، الدكان، المواصلات العامة، لكن مقابل كلّ هذه التفاصيل، انتابني طوال فترة زيارتي شعور بأن الفلسطيني يقول للصهيوني بشكل ما: أنتَ مؤقت". هكذا لخص علي زيارته إلى فلسطين. وأنا، في كلّ حديث مع شخص غير فلسطيني يسألني عن أحوال الأراضي المحتلة عام 1948، لا بد من أن اقتبس ما قاله لي علي يوماً ما.

ما من مشهد أخير
أنا، كما العديد ممن عرفوك يا علي لدقائق أو لأيام أو لسنين، تعيش ذاكرة ما منك فينا. هذه "الذكريات" الحكيمة سنشاركها مع الآخرين ونمررها لمن لم يحظ بسماع صوتك ونذكرها لبعضنا البعض، كلّ على طريقته، لأن:"المصادر المفتوحة تعني الحرية".
لروحِك السلام.

http://zaghroda.blogspot.com/2013/12/blog-post_3634.html