Sunday, December 4, 2011
وجع قلب
الكلمات ترفض ان تغادر ذهني. شدني برفق خطوتان بعيدا عن نديم و قال لي و الاضطراب باد على وجهه: " لا تقولي أمامه او لأي شخص ان نديم عنده توحد. كل طفل، كل شخص مميز عن الاخر."
وجع قلب. شكرته من قلبي.
يقول ناصف ما أؤمن به. لكن بين ما أؤمن به و التعامل اليومي و الاجتماعي مهارات عديدة لم تصقل تماماً بعد. خاصة في الوضع الذي كنا فيه.
نزلنا التحرير يوم جمعة رد الاعتبار للشهداء لمشاركة ناصف و ريم و آخرين في عمل طائرات ورقية تكريما لشهدائنا و اخذنا نديم و رامي.
وصلنا الباحة القريبة من المجمع حيث تعمل المجموعة و فرحت لاستجابة عدد من فتية معسكراتها الصيفية الى النداء الذي ارسلته للمشاركة. طائرات الورق من الورش التي شارك فيها الفتية في نشاطنا الصيفي. لم أتخيل يوما ان ندعو فتياننا لاستخدام ما تعلموه لمناسبة قاسية كهذه.
تحمس نديم عندما وجد قلم ماركر و أخذه و شرع يكتب على الطائرات التي عليها صور للشهداء. داس على الطائرات و اقتلعت احدى الصور و بدء التوتر يظهر علي و على علي.
برفق و هدوء، حاول ناصف ان يقول لنديم ان لا يدوس على الطائرات. و حاولت أنا ان اجد طريقة اشرح لنديم ما يجب عمله. نديم يستجيب للصور للتواصل و لذا حاولت ان اشرح لناصف انه من الصعب الاستجابة بالكلام خاصة و ان لم يكن نديم ينظر اليه. لكن التوتر غلب على قدرتي على الشرح و لم يخرج من فمي الا نديم عنده توحد. لثقتي به و قرب علاقته للعائلة قلت له ذلك. كأنني أحاول ان اختصر الموقف لكي يساعدني لأنني اعلم انه ممكن ان يكمل الكلام و لا يستجيب نديم و يزيد التوتر. "اعلم." جاء رده.
" لا تقولي أمامه او لأي شخص ان نديم عنده توحد. كل طفل، كل شخص مميز عن الاخر".
"أمامه" هي الكلمة التي وجعت قلبي. لان نديم يتواصل بطرق كثيرة مختلفة لكن ليس بالكلام يعتبر الكثير انه لا يفهم ما يقال أمامه. و عندما أقع أنا في هذا اشعر بذنب كبير يتآكل بداخلي و ينخر في عقلي بدون انقطاع. برغم كل ما تعلمته و ما أؤمن به لا زلت أقع في الخطأ. أحاول ان أعيد اللحظة في عقلي مرارا و تكرار لتحديد ان كان نديم قد سمع ما قلته لناصف. أكيد سمع. و يعود و يتآكلني الشعور بالذنب.
لكن عندي رغبة قوية اخرى. رغبة ان يفهم العالم كله معنى التوحد. لا اجد عيبا او حرجا منها لأنني لا اعتبر التوحد او اي نوع من الاحتياجات الخاصة آفة. أؤمن ان التوحد جزء لا يتجزأ من نديم و أؤمن انها من اسباب روعته. لست ممن يريدون "علاج" او ممن ينكرون واقع. هذا نديم و هو رائع. نقطة. المشكلة ليست نديم بل كل من حوله الذي لن يفهمه الا عند تخصيص وقت و عمل مجهود للتركيز معه. نديم يتجاوب فقط ان أعطيته كل اهتمامك. لا يقبل بأقل من ذلك. حقه.
شكرًا يا ناصف.
Thursday, November 17, 2011
برقية رقم ٥٣٤/١٦٢
اتمنى كل يوم ان تأتي الفرصة لكي اكتب لكنها لا تأتي. الكتابة يعني ان يكون لديك فرصة ان تجلس مع نفسك و تكتب و قلما لدي هذه الفرصة. الساعة الثالثة بعد منتصف الليل. نحن في ١٨ نوفمبر. و انا لوحدي. يعني الكل نائم. تذكرت انني اخر مرة كتبت من قلبي كانت الساعة الثالثة بعد منتصف ليل ٢٨ يناير.
خذي رقم البرقية، قال لي الرجل عبر الهاتف. ٥٣٤/١٦٢. رقم البرقية التي أرسلتها لعلاء. كل سنة و انت طيب يا علاء. شد حيلك. خالد حيتولد حر. كلنا أحرار. علي و رنوة. هذا مضمون البرقية التي قد تصل لعلاء. اختنق صوتي و أنا اقول شد حيلك. أتكلم مع رجل غريب لكي اعايد على صديقي المسجون. ميدان التحرير فيه مئات او الاف لا اعرف لكنني اعرف ان غداً يوم سنحشد منه طاقة، ستاتي منه نتيجة مثلما حصل في كل مرة تجاوز عدد المتظاهرين العشرة الاف. اشعر بتأنيب ضمير لأنني اتمنى ان يؤثر الضغط في الإفراج عن علاء قبل ميلاد خالد. اي واقعية؟ لا فعلا بالنسبة لي فكرة ولادة خالد و علاء في السجن قاسية. قاسية جداً. عندما ينتقل العام الى الشخصي تستعيد كل الآلام التي عايشتها منذ استشهاد بوعزيزي. تتذكر كل مرة انهرت في البكاء على شهداء وقعوا. على وحشية التجربة. مجزرة ماسبيرو كانت اللحظة التي اعادت الساعة الى ما قبل ٢٥ يناير. الم فوق الم فوق الم. افكر بكل ام استشهد ابنها و كل ام ابنها أسير. و اعلم ان الثورة ستكون بخير. الأمهات قوة خارقة عندما يتعلق الامر بأولادهن. درس تعلمته عندما اصبحت اما. درس تعلمته جيدا.
افكر بعلاء عدة مرات في اليوم منذ ان اسر يوم ٣٠ اكتوبر. ١٩ يوما في السجن. اشتد البرد منذ اسبوع و اصبحت افكر به اكثر، خاصة في الليل. افكر به كل مرة ادخل غرفة أبنائي لكي اغطيهم.
اختنق صوتي و تدفق الدم الى وجهي. غضبا و ألما و توترا. يا ناخذ حقهم يا نموت زيهم. ان تقولها و تعنيها و تفعلها. هذا هو علاء.
#freealaa #freeegypt
Wednesday, February 2, 2011
Tuesday, February 1, 2011
يا سلام على الروعة
يا سلام على الروعة. “متظاهرون في ميدان التحرير ينصبون أربع شاشات تلفزيونية تنقل بث قناتي الجزيرة و الجزيرة مباشر.” تنقل قناة الجزيرة الآن. الساعة العاشرة مساءً يوم الإثنين 31 يناير. ما أجلى إنتزاع الحرية بكل أشكالها. بعد الشعور بالتعدي ثم التحدي من قطع الإنترنت أشعر فعلاً الآن بثقل كبير لعدم وجودها. الآن مثلاً خبر عاجل ان الطرق المؤدية للقاهرة تم غلقها لمنع المتظاهرين الوصول الى ميدان التحرير لمسيرة المليون غداً. كنت أرسلت تويتة تقول: "نخلق ساحات تحرير في كل مدن وقرى مصر.” على تويتر تختصر كل ال bullshit. يصلك الخبر مباشرة من المصادرة الموثوقة لك، بلا شائعات و أخبار مبطنة، ثم إنه أداة تنسيق هائل. إنقطعت تماماً عن كل وسائل الإعلام التقليدية (الصحف و التلفزيون و أخبار جوجل) في 2005. حسمت الموضوع براديكالية و قررت تحويل طاقتي الى عمل بنّاء. لم أتابع أي تطورات سياسية على القنوات الفضائية الا الكبيرة منها. غزو إسرائيل للبنان في 2006 و لغزة في 2009. في حالة لبنان نشطت على الإنترنت لتوصيل الأخبار و ما يحصل في الداخل بالفعل من حركة شعبية على الأرض. كنت حامل في شهري الثالث و كانت المظاهرة التي نظمت وقتها للتنديد بإسرائيل آخر مظاهرة أشارك بها. و بما إنني سأصبح أماً، قررت إستكمال نشاطي بطرق مختلفة عن تلك التي ستعرض حياتي للخطر. خلال غزو غزة شاركت في توصيل الأخبار و المشاركة في تنظيم حركة دعم لإرسال المعونة الى الشعب الفلسطيني المحاصر. و في الحالتين زادت و توسعت دائرة الناشطين الشباب. بموازاة ذلك، تعرفت على دائرة واسعة من الناشطين المصريين من خلال عملي في مشروع معسكرات التعبير الرقمي العربي – عملي البنّاء الذي جاء كرد فعل لحالة الإنحطاط و العبث التي شعرت بها من خلال عملي كصحفية.
مُذهَلون أن الشباب يتحرك من غير قيادة، لا يصدقون. من يقودكم؟ كيف تتلقون التعليمات؟ ما هو تنظيمك؟ إنت تبع مين؟ مين قرر نقط التجمع؟ يا جماعة ما الحكاية انه مش مهم! كل حد يشارك بالذي يعرف يعمله كويس و نتابع التطورات بنقدية و ننسق. شباب ناشط إجتماعياً و سياسياً و فنياً و حقوقياً و علمياً. متفقون على قيم إنسانية أساسية و بس. فيها حاجة؟
هذا ما تعلمته من خلال مشاركتي الرقمية. عندما أنشر معلومة عما أفعله و تنهال المشاركات. كيف يكون تضييع وقت عندما أنشر صورة سوف يراها فتى أو فتاة ليس فقط في مدن عربية إنما في قرى عربية! أفتح صفحة لإعلان عن تحرك لإغاثة غزة فيأتون بالمئات. أنظم مع مجموعة من 15 شخص لأمسية تعريفية عن رخصة المشاع الإبداعي و نلتقي وجهاً لوجه مرتين، مرة للتعرف على بعض و مرة خلال الأمسية التي نظمناها. لكن بين المرتين نعطي وقت للتواصل الإلكتروني لهدف صغير يجمعنا فنتعرف على بعضنا و على مهاراتنا و مواقفنا ونتلاحم و يبهرنا نجاح الأمسية. هكذا أعيش منذ 6 سنوات. في السنة الأخيرة زادت مشاركتي الإلكترونية بشدة لدرجة أن زوجي علّق بقلق. لم أكن أنا، كان ما يتوالى من أحداث. أنا شخص عضوي يتفاعل و يشارك بشغف و عقل مع ما يجري من حولي و من يتفاعل من خلاله. من كان يتخيل منذ سنة، بل منذ أقل من شهرين، أن تونس و مصر ستتحرران بإنتفاضة شعبية؟
لم يأت كل ذلك من فراغ. شباب يعمل و ينسق و يتشارك و يتواصل و يبني و يُلهم. حقوقيون و فنانون و مهندسون و ناشطون إجتماعيون و سياسيون و شباب أصغر يتعرض لكل ذلك و يشارك و يضيف. تجربة و علم و نضج مبهر. كنت في نقاش مع أحد أصدقائي الناشطين الاسبوع الماضي و قال: “:كان يجب ان نستغل إنتفاضة المحلة منذ سنتين.” أجبته بأننا لم نكن جاهزين. لم أتصور للحظة أننا كنا في لحظتها جاهزين.
2
إستيقظت يوم الجمعة صباحاً و خطفت نظري الى الهاتف المحمول و تأكد خوفي. قُطعت كل وسائل الإتصال الا التليفون الأرضي. صوت عايدة و حسام على التليفون قبل ساعات عالياً في ذهني. إنتابتني حالة هلع. رغم كل ما أعرف من معلومات. لكنني خفت، خفت على الشباب من البطش. خفت خفت خفت. إتصل بي زوجي و إتفقنا أن انتقل الى بيت نهال أم مريم إبنة اخ زوجي. تسكن نهال في المربع الأمني، يحيط بالمبنى الذي تسكنه السفارة الأميركية و البريطانية و الكندية. أول منطقة نزل عليها الجيش و في قلب إحدى المواجهات التي ستحصل في ذلك اليوم.
أمام مبنى بيتنا قبل ان أهرب الى المربع الأمني، قابلت يسري و ناهد نصرالله. متأهبان للمظاهرة. كنت ما زلت مصابة بحالة الهلع.“يسري، ناويين على مجزرة بمعزل عن العالم، لن يرى العالم ما سيحصل.”
“نحن سنرى.”
هدأت قليلاً.
يوم الجمعة 28 يناير 2010. معارك طوال النهار و الليل. حتى أنا المعتادة على الحرب في لبنان تعبت من صوت إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع الذي لم يتوقف لحظة منذ الساعة الثانية بعد الظهر الى بعد منتصف الليل. صاحبها الرصاص المطاطي و الرصاص الحي في فترات متباعدة. سجلت صوت التفجيرات عبر هاتفي و إكتشفت لاحقاً إنني سجلت ما قلته لمريم (13 سنة) و عمر (15 سنة) و مروان (19 سنة) عن الحماية الضرورية من الغاز المسيل للدموع و ما يجب ان يلبسوه إذا أرادوا مشاركة المتظاهرين. سأحمّل هذا التسجيل عندما يُرفع الحجب. تحمس مريم و عمر و صوروا ما أستطاعا إلتقاطه من شرفة الشقة. إنطلاق قنابل الغاز و هبوطها، هتافات المتظاهرين و الحماس و التصفيق عند إلتقاط أحد المتظاهرين قنبلة غاز و قذفها بإتجاه الأمن المركزي المعتدي. صراخب أنا ثم هم بأعلى صوتنا: "الشعب يريد إسقاط النظام"، الجيران على الأسطح و الشرفات، بعضهم يلوحون بحدة و إستمرار الى المتظاهرين الذين يستطيعون ان يروهم. تبادل معلومات أو ردود فعل بين الجيران من شرفة لأخرى و شباك لأخر. أعرف هذه التجربة و هذا الإحساس جيداً، نتشارك بالتجربة الحية و نتفاعل مع بعضنا البعض و نقترب و نتعاون. توحّد الشعب المصري بلحظة بفعل شبابه الواعي في كل أنحاء مصر.
هل ظن النظام فعلاً ان الشعب سيهب إلى الإستنجاد به عندما يتخذ قرار واضح للعيان بتخريب عنيف و إشاعات لنشر الرعب؟ كل شيء ينقلب عليهم الآن. الفساد ينقلب على النظام ذي المؤسسات المهترئة و العشوائية و المتشتتة. حيث هنالك جيوب من الشباب المتابع للفيسبوك على الأقل في المؤسسات الحكومية كان موظفوها فرحين بالتطورات. وقف العمل في المؤسسات الحكومية منذ يوم 25 يناير.
سنقرأ و نسمع و نشاهد الكثير الكثير من الشهادات الحية بعد ان يُرفع حجب الإنترنت.
لن أنزل أنا ميدان التحرير إلا مع نديم و ذلك لن يحصل إلا إذا ضمنت الأمان.
ما يزيد عن مئة شهيد. شهداء الحرية. سنصل ميدان التحرير لنعبر عن مطلبنا: الشعب يريد إسقاط النظام و لن نتركه حتى يُحقق مطلبنا.
مصر حرة مصر حرة مصر حرة.
خرجت الى الشارع لوحدي صباح السبت. ذهبت لمساعدة زملاء صحفيين متجمعين في فندق قريب لم ينقطع عنه الإنترنت. الهواء مليء بغاز المسيل للدموع في شارع القصر العيني، أكثر من شاحنة تابعة للأمن المركزي محترقة. الجيش بعساكره و دباباته في الشارع. ساعدت زملائي و حمّلت مدونتي التي كتبتها فجر الجمعة بعد إضافة آخر فقرة. هب 4 من أصدقائي في بيروت و نيويورك و النروج لحظة نشري المدونة للإطمئنان علي فأرسلت رسالة عامة إنني بخير و سأختفي الى أجل غير مسمى عن الإنترنت. لم أصل الى حل بعد لكنني لا زلت أحاول و بما أن صديقتي سحر ستسافر الى لبنان الثلاثاء صباحاً ستأخذ ما كتبته و تنشره عني على مدونتي.
يوم الأحد ذهبت للإطمئنان على بيتنا و التبضع. غرافيتي يسقط النظام و إرحل يا مبارك على الدبابات و الجسور و الحيطان. السوبرماركت مقتظ بزبائن يشترون بهوس. كدت أغشى من الضحك. لا أصدق فعلاً، لا أصدق، ان هذا يحصل في مصر. عشت الحرب في مقتبل العمر - أجتياح إسرائيل للبنان سنة 1982 واضح بتفاصيل عديدة في ذاكرتي.مشهد هوس التبضع بالمؤنة عادي جداً بالنسبة لي لدرجة أنني أستمتعت بمراقبة الناس. قدرتي على إستيعاب التصاعد و التوتر الذي يصحبه عالي. إكتشفت الفارق في الليالي الثلاث التي قضيتها في المربع الأمني. عائلة من سن 13 الى 40 لا تعرف الا رئيس واحد. حالة هلع دائمة و إنجراف مخيف للشائعات. كل ما أحاول تهدئتهم يعلقون على رد فعلي “الثابت”. يريدون ان يصدقوا لكنهم خائفون.
تكلمت مطولا و أكثر من مرة خلال الأيام الثلاث الماضية مع قائد رتبة جيش تحرس إحدى المداخل المؤدية الى السفارة الأميركية، أمام المبنى الذي لجئت إليه. يشعر بنفس القهر، إعترف انه هو نفسه يُقمع من الشرطة و ان حقه مغبون لكنه يقول ان الناس يجب ان تلتزم بحظر التجول لكي يستطيعوا تأمين المكان. قلت له ان منع التجول جاء نتيجة رغبة الناس ان تعبّر عن رأيها و إصرار النظام على قمعه. أبلغته بالتخريب و كل الدلائل و الشهادات الحية التي تشير الى أن المخربين من رجال الشرطة بلباس مدني يطبقون أوامر. أعترف ان الجيش نزل بكمية محدودة، "لكن بينزل, أعطونا فرصة.” قلت له ستأتي اللحظة التي سيضطر فيها أن يختار ما بين إطاعة الأوامر أو الإستماع لضميره بالهجوم على شباب عزل يتظاهر للتعبير عن رأيه. لم يقل شيئاً لكنني أعرف ان الرسالة وصلت. خلال الثلاثة أيام الماضية تكلم الكثيرون الكثيرون من المتظاهرين مع أفراد الجيش. و عندما صدر بيان الجيش ليل الإثنين بشرعية مطالب الشعب و تعهده بعدم إستخدام القوة مع الشعب تنفست مصر الصعداء. إسترجعنا الحق بالتظاهر السلمي. سيقول كل الشعب كلمته في مسيرة المليون في ميدان التحرير و في كل مدن و قرى مصر.
و أخيراً وطئت الأرض الحرة في ميدان التحرير. ذهبت اليوم (الإثنين) مع إبني نديم (4 سنوات). توافد مستمر و حثيث لشباب و عائلات و كبار السن و أكياس و أكياس من الأطعمة و مستلزمات التظاهر. إبني لبناني/عراقي/فلسطيني/مصري. لوّح بالعلم المصري و للهليكوبتر الحربي الذي يحوم في الميدان. أعطاه أحد الشبان يافطة كتب عليها "العدس ب 16 جنيه، مسكها و مشى بها بإبتسامة واسعة. شاب ثان أعطاه بسكوت و ثالث علبة عصير، سلم عليه الكثيرون.
عندما إنحنيت لمساعدة نديم بمسح عينيه إقترب رجل أربعيني و قال لي: “عفواً ال underwear باين.” إلتقط شاب زجاجة مياه فارغة مرمية على الأرض و وضعها في كيس قمامة. عند مدخل التحرير في زاوية جبل من القمامة المعبأة التي تراكمت خلال الأسبوع الفائت، جاهزة للتحميل في شاحنة القمامة. حلقات نقاش و تنوع واسع لليافطات و هتافات و رقص و عشرات المفترشين نوماً و شخص يصرخ: الله أكبر الله أكبر أنا المهدي المنتظر!” قابلت العديد العديد من الأصدقاء. أرضنا.
رجعت الي بيتي و سأشارك غداً في التظاهرة و يعود زوجي و طفلي رامي مساءً. أصبح لرامي جواز سفر أخيراً.
Sahar Malek in Lebanon from Cairo has accessed my blog, twitter to post my latest on my behalf #Jan25 #fb
Saturday, January 29, 2011
أصيلة يا مصر أصيلة يا مصر أصيلة يا مصر. صح إللي قال ثورة الجمال. يفرج المصريون عن روعتهم كما حلمنا بهم. وقعت في غرام مصر و كنت لم أزرها بعد. وصلتني ملامح من جمال روحها، من إنسانيتها، من موهبتها و إبداعها، من شغفها و خفة دمها. شخصيات عديدة ملهمة أشد الإلهام مثل بهجت عثمان، بدر حمادة، محي الدين اللباد، جميل شفيق و شخصيات تربت على هذه الروح مثل هنادي سلمان و سحر مندور.
عندما وصلت إليها كانت في أحلك مراحلها و استمر الإنحطاط سنوات عدة. غصت في الكثير من دوائرها اللامتناهية بحثاً عن تلك الروح و عندما وجدتها أُلهمت مجدداً. ها هي تبرز في أجمل حلتها. نحن في اليوم الثالث من الثورة و ينتظرنا غداً....
انقطعت عن الكتابة لأسمع خبر مخيف عما قد ينتظرنا غداً. لم تتأكد المعلومات بعد لكن حالة ترقب مفزعة جداً هبطت على مجموعة من الناشطين يقدر عددهم بالعشرات. محامون و ناشطون في مركز هشام مبارك و عايدة سيف الدولة من مركز النديم و صحفيون.
صوت عايدة على الهاتف زادني خوفاً. صوت خافت جداً، كأنها لا تريد ان تكرر التقرير المفزع الذي سمعته، لأنها لم تتصور انه ممكن ان يحصل. "الإحساس كأننا نعيش الآن ما كنا نقرأ عنه من مجازر في كتب التاريخ.”
تم إفراغ تام لكل مظاهر الأمن من شوارع وسط البلد، أأكده شخصياً و من ثم من عدة ناشطين ذهبوا في أكثر من دورية لإستكشاف الوضع على الأرض. سمعته بعد دقائق من مصدر آخر. ثلاثة مصادر موثوقة جداً بمصداقيتها و معلوماتها تقول ان الأمن انسحب بالكامل. الأصوات نفسها – رعب.
التوقعات إما ان يحصل تخريب، عنف و بطش، تحطيم لكل وسائل التصوير و التسجيل التي تشهد عما سيحصل. مجزرة بمعزل عن كل العالم؟ ما أراه ان الرهان ان لا يرى العالم ما سيحصل بعد بضعة ساعات. التوقع الثاني – الأمل - هو ان ينزل الجيش.
يوجد كلام ان الاتصال بالمحمول، الوسيلة الوحيدة المتبقية للإتصال،قد تقطع في الساعة الرابعة صباحاً. الساعة الآن 3:24. قدري ان يكون إتصالي الوحيد للخارج مع ميسرة في رام الله. أخذ التفاصيل و سيحاول الإتصال بي الساعة الرابعة. أبلغته في آخر المكالمة ان يبلغ زوجي بآخر الأخبار حيث إذا إنقطع الإتصال لن يعرف أخباري. قد يبقون على التليفون الأرضي.
زوجي و طفلي رامي في عامه الأول في مهمة في فلسطين لإستخراج جواز سفر له.
فجأة فعلاً أشعر أننا رجعنا للعصر الحجري. تذكرت الآن ما قاله لي مرة عمي نبيل شعث عن مبارك في 1994. “مش حسمح بالكلام الفارغ ده (الساتيلايت ثم الإنترنت) و فوق جثتي.” الكلام ان سوزان و جيمي ضغطوا لتمريره.
قرأت تويتة البارحة من شخص يقول انه موظف في القصر الرئاسي و أن الريس لم ينم منذ يومين. أتخيله يقول: “مش قولتلكم؟ خلاص شيلوا الهباب ده و إحرقوا الكلاب دول.”
من سخرية القدر ان أشعر بعدم الأمان في القاهرة و أكون مطمئنة ان زوجي و طفلي في رام الله في أمان أكثر.
هل أفرطنا في الحلم؟ إنتشينا من الإنجازات الملهمة التي حققناها الثلاثاء و تتابع إندلاع النضال كالنار في حرب شوارع من كر و فر في القاهرة في نضال أهل السويس الشباب الذي يلهمهم قائد المقاومة الشعبية في 1973 الشيخ سلامة البالغ من العمر 90 سنة و الشيخ زويد التي فجرت غضبها على الأمن و السلوم و الإسماعيلية و إنصهار الناس ببعضهم بثقة لامتناهية.
يوم الثلاثاء عاش الآلاف منا حالة فريدة هزتنا و ألهمتنا و أعادت الأمل و العزة و أنعشت الروح. شباب محترم ، منظم، حنون و رقيق, و غاضب غنوا و رقصوا و قالوا شعر و وقفوا ببسالة و شجاعة أمام البطش. شاركوا طعامهم مع عساكر الأمن المركزي المقهورين من نفس النظام. نادوا على اهاليهم "ضموا معنا" و نزلت او لوحت لهم بحماس من المباني. كانوا شبان و شابات متصاهرين متآخين متضامنين بسمو و نبالة. روح مصر الملهمة. و نجحوا في إستمرارها في هذين اليومين و توالت باقي الجموع من أطباء يعلنون نزولهم بالبالطو الابيض لإسعاف الشباب في نضالهم. ثم صحفيين و فنانين و مؤسسات ثقافة. بدأت أفكار تنشىء من امهات بالتجمع و شباب يندم انه لم يشارك يوم الثلاثاء و مستعد بحماسة شديدة و بأمل غريب من نوعه عليهم – شعورهم بالعزة في إنتمائهم لمصر. و شارك العالم معنا و توالت شرعية التحرك في أنحاء مصر، الغضب نفسه يتشاركه شعب قهر و أُهمل بالكامل.
إستخفوا بالشباب ففاجئوهم بقدر ما فوجئوا هم أنفسهم. صدقنا و دوسنا. مهما سيحصل لنا غداً لن نتنازل عن هذه الروح.
يوم جمعة الغضب: إنتصرنا. مصر اليوم غير مصر البارحة.
التخريب سيد الوضع. هذا هو القرار. واضح من كلام الريس الذي تغنى بالأمن و الإستقرار. سيّبوا كلابهم يعثون الفوضى، سرق و نهب و حرق و تخريب. الجيش نزل لكن لتأمين كل المحطات الحيوية و السفارات و ليس الشعب. ما أنجزه الشعب يوم جمعة الغضب سيستمر و إنعدام الأمن الذي يراهن عليه نظام مبارك لن ينجح. سيهب المواطنين لتأمين أنفسهم و تتم الدعوة لخلق لجان شعبية لتنظيم الوضع الى حين إسقاط النظام.
Saturday, January 22, 2011
ضد إرادتي
يسافر زوجي يوم 25/1/2011 مع طفلي رامي الى رام الله لإستخراج جواز سفر له بعد فشل دام عاماً منذ ولادته في إستخراج وثيقة من السلطات المصرية. عقدنا النية ان نسافر الى رام الله لنحل المشكلة أنا و زوجي و ابني نديم (4سنوات) و رامي و هكذا نستخرج جوازات لنديم و رامي. رفضت سلطات الإحتلال الإسرائيلي طلب تصريح دخول لي مرتين إثنين طبعاً من دون مبررات و هكذا قررنا أن يسافر زوجي علي وحده مع رامي و أنتظر أنا و نديم في القاهرة. وضع رامي ملحّ حيث انه أمضى السنة الأولى من حياته من غير أي وثيقة تثبت وجوده. لم يكن لديه إلا ورقة من المستشفى تقول انني انجبت طفلاً ذكراً في تاريخ
27/12/2009.
نجحنا في إستخراج وثيقة مصرية لنديم بالصدفة - فوضى البيرقراطية المصرية أنجدتنا مع نديم. لم يكن لرامي الحظ نفسه.
أجد نفسي بعد ان تحدد موعد السفر أغضب لحظة بعد لحظة. أحاول ان اهديء من نفسي: الحمدلله انه يوجد حل، الحمدلله انني لن اقلق على رامي فهو مع أبيه و ذاهب الى بيت جده. لكنني أجد نفسي و انا اشتري شنطة غذاء إضافية سيحتاجها خلال السفر غاضبة. نحن دائما مع بعض، لم نحتج قبل اليوم الى اكثر من شنطة غذاء واحدة نضع فيها ما يحتاجه نديم و رامي عند السفر. سنفترق الآن - لمدة أسبوع أو اسبوعان - حسب سرعة الإجراءات.
منذ ولادة رامي إفترقت عنه مرة واحدة لمدة 5 أيام للمشاركة في ورشة التقنيات العرب في بيروت في إبريل 2010. لكن ذلك كان بإرادتي.
مشكلتي أن ما يحصل ضد إرادتي. و سأعيش دهراً الى حين معانقة طفلي مجدداً.