Tuesday, February 1, 2011

يا سلام على الروعة

يا سلام على الروعة. “متظاهرون في ميدان التحرير ينصبون أربع شاشات تلفزيونية تنقل بث قناتي الجزيرة و الجزيرة مباشر.” تنقل قناة الجزيرة الآن. الساعة العاشرة مساءً يوم الإثنين 31 يناير. ما أجلى إنتزاع الحرية بكل أشكالها. بعد الشعور بالتعدي ثم التحدي من قطع الإنترنت أشعر فعلاً الآن بثقل كبير لعدم وجودها. الآن مثلاً خبر عاجل ان الطرق المؤدية للقاهرة تم غلقها لمنع المتظاهرين الوصول الى ميدان التحرير لمسيرة المليون غداً. كنت أرسلت تويتة تقول: "نخلق ساحات تحرير في كل مدن وقرى مصر.” على تويتر تختصر كل ال bullshit. يصلك الخبر مباشرة من المصادرة الموثوقة لك، بلا شائعات و أخبار مبطنة، ثم إنه أداة تنسيق هائل. إنقطعت تماماً عن كل وسائل الإعلام التقليدية (الصحف و التلفزيون و أخبار جوجل) في 2005. حسمت الموضوع براديكالية و قررت تحويل طاقتي الى عمل بنّاء. لم أتابع أي تطورات سياسية على القنوات الفضائية الا الكبيرة منها. غزو إسرائيل للبنان في 2006 و لغزة في 2009. في حالة لبنان نشطت على الإنترنت لتوصيل الأخبار و ما يحصل في الداخل بالفعل من حركة شعبية على الأرض. كنت حامل في شهري الثالث و كانت المظاهرة التي نظمت وقتها للتنديد بإسرائيل آخر مظاهرة أشارك بها. و بما إنني سأصبح أماً، قررت إستكمال نشاطي بطرق مختلفة عن تلك التي ستعرض حياتي للخطر. خلال غزو غزة شاركت في توصيل الأخبار و المشاركة في تنظيم حركة دعم لإرسال المعونة الى الشعب الفلسطيني المحاصر. و في الحالتين زادت و توسعت دائرة الناشطين الشباب. بموازاة ذلك، تعرفت على دائرة واسعة من الناشطين المصريين من خلال عملي في مشروع معسكرات التعبير الرقمي العربي – عملي البنّاء الذي جاء كرد فعل لحالة الإنحطاط و العبث التي شعرت بها من خلال عملي كصحفية.

مُذهَلون أن الشباب يتحرك من غير قيادة، لا يصدقون. من يقودكم؟ كيف تتلقون التعليمات؟ ما هو تنظيمك؟ إنت تبع مين؟ مين قرر نقط التجمع؟ يا جماعة ما الحكاية انه مش مهم! كل حد يشارك بالذي يعرف يعمله كويس و نتابع التطورات بنقدية و ننسق. شباب ناشط إجتماعياً و سياسياً و فنياً و حقوقياً و علمياً. متفقون على قيم إنسانية أساسية و بس. فيها حاجة؟

هذا ما تعلمته من خلال مشاركتي الرقمية. عندما أنشر معلومة عما أفعله و تنهال المشاركات. كيف يكون تضييع وقت عندما أنشر صورة سوف يراها فتى أو فتاة ليس فقط في مدن عربية إنما في قرى عربية! أفتح صفحة لإعلان عن تحرك لإغاثة غزة فيأتون بالمئات. أنظم مع مجموعة من 15 شخص لأمسية تعريفية عن رخصة المشاع الإبداعي و نلتقي وجهاً لوجه مرتين، مرة للتعرف على بعض و مرة خلال الأمسية التي نظمناها. لكن بين المرتين نعطي وقت للتواصل الإلكتروني لهدف صغير يجمعنا فنتعرف على بعضنا و على مهاراتنا و مواقفنا ونتلاحم و يبهرنا نجاح الأمسية. هكذا أعيش منذ 6 سنوات. في السنة الأخيرة زادت مشاركتي الإلكترونية بشدة لدرجة أن زوجي علّق بقلق. لم أكن أنا، كان ما يتوالى من أحداث. أنا شخص عضوي يتفاعل و يشارك بشغف و عقل مع ما يجري من حولي و من يتفاعل من خلاله. من كان يتخيل منذ سنة، بل منذ أقل من شهرين، أن تونس و مصر ستتحرران بإنتفاضة شعبية؟

لم يأت كل ذلك من فراغ. شباب يعمل و ينسق و يتشارك و يتواصل و يبني و يُلهم. حقوقيون و فنانون و مهندسون و ناشطون إجتماعيون و سياسيون و شباب أصغر يتعرض لكل ذلك و يشارك و يضيف. تجربة و علم و نضج مبهر. كنت في نقاش مع أحد أصدقائي الناشطين الاسبوع الماضي و قال: “:كان يجب ان نستغل إنتفاضة المحلة منذ سنتين.” أجبته بأننا لم نكن جاهزين. لم أتصور للحظة أننا كنا في لحظتها جاهزين.

2
إستيقظت يوم الجمعة صباحاً و خطفت نظري الى الهاتف المحمول و تأكد خوفي. قُطعت كل وسائل الإتصال الا التليفون الأرضي. صوت عايدة و حسام على التليفون قبل ساعات عالياً في ذهني. إنتابتني حالة هلع. رغم كل ما أعرف من معلومات. لكنني خفت، خفت على الشباب من البطش. خفت خفت خفت. إتصل بي زوجي و إتفقنا أن انتقل الى بيت نهال أم مريم إبنة اخ زوجي. تسكن نهال في المربع الأمني، يحيط بالمبنى الذي تسكنه السفارة الأميركية و البريطانية و الكندية. أول منطقة نزل عليها الجيش و في قلب إحدى المواجهات التي ستحصل في ذلك اليوم.

أمام مبنى بيتنا قبل ان أهرب الى المربع الأمني، قابلت يسري و ناهد نصرالله. متأهبان للمظاهرة. كنت ما زلت مصابة بحالة الهلع.“يسري، ناويين على مجزرة بمعزل عن العالم، لن يرى العالم ما سيحصل.”

“نحن سنرى.”

هدأت قليلاً.

يوم الجمعة 28 يناير 2010. معارك طوال النهار و الليل. حتى أنا المعتادة على الحرب في لبنان تعبت من صوت إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع الذي لم يتوقف لحظة منذ الساعة الثانية بعد الظهر الى بعد منتصف الليل. صاحبها الرصاص المطاطي و الرصاص الحي في فترات متباعدة. سجلت صوت التفجيرات عبر هاتفي و إكتشفت لاحقاً إنني سجلت ما قلته لمريم (13 سنة) و عمر (15 سنة) و مروان (19 سنة) عن الحماية الضرورية من الغاز المسيل للدموع و ما يجب ان يلبسوه إذا أرادوا مشاركة المتظاهرين. سأحمّل هذا التسجيل عندما يُرفع الحجب. تحمس مريم و عمر و صوروا ما أستطاعا إلتقاطه من شرفة الشقة. إنطلاق قنابل الغاز و هبوطها، هتافات المتظاهرين و الحماس و التصفيق عند إلتقاط أحد المتظاهرين قنبلة غاز و قذفها بإتجاه الأمن المركزي المعتدي. صراخب أنا ثم هم بأعلى صوتنا: "الشعب يريد إسقاط النظام"، الجيران على الأسطح و الشرفات، بعضهم يلوحون بحدة و إستمرار الى المتظاهرين الذين يستطيعون ان يروهم. تبادل معلومات أو ردود فعل بين الجيران من شرفة لأخرى و شباك لأخر. أعرف هذه التجربة و هذا الإحساس جيداً، نتشارك بالتجربة الحية و نتفاعل مع بعضنا البعض و نقترب و نتعاون. توحّد الشعب المصري بلحظة بفعل شبابه الواعي في كل أنحاء مصر.

هل ظن النظام فعلاً ان الشعب سيهب إلى الإستنجاد به عندما يتخذ قرار واضح للعيان بتخريب عنيف و إشاعات لنشر الرعب؟ كل شيء ينقلب عليهم الآن. الفساد ينقلب على النظام ذي المؤسسات المهترئة و العشوائية و المتشتتة. حيث هنالك جيوب من الشباب المتابع للفيسبوك على الأقل في المؤسسات الحكومية كان موظفوها فرحين بالتطورات. وقف العمل في المؤسسات الحكومية منذ يوم 25 يناير.

سنقرأ و نسمع و نشاهد الكثير الكثير من الشهادات الحية بعد ان يُرفع حجب الإنترنت.

لن أنزل أنا ميدان التحرير إلا مع نديم و ذلك لن يحصل إلا إذا ضمنت الأمان.

ما يزيد عن مئة شهيد. شهداء الحرية. سنصل ميدان التحرير لنعبر عن مطلبنا: الشعب يريد إسقاط النظام و لن نتركه حتى يُحقق مطلبنا.

مصر حرة مصر حرة مصر حرة.

خرجت الى الشارع لوحدي صباح السبت. ذهبت لمساعدة زملاء صحفيين متجمعين في فندق قريب لم ينقطع عنه الإنترنت. الهواء مليء بغاز المسيل للدموع في شارع القصر العيني، أكثر من شاحنة تابعة للأمن المركزي محترقة. الجيش بعساكره و دباباته في الشارع. ساعدت زملائي و حمّلت مدونتي التي كتبتها فجر الجمعة بعد إضافة آخر فقرة. هب 4 من أصدقائي في بيروت و نيويورك و النروج لحظة نشري المدونة للإطمئنان علي فأرسلت رسالة عامة إنني بخير و سأختفي الى أجل غير مسمى عن الإنترنت. لم أصل الى حل بعد لكنني لا زلت أحاول و بما أن صديقتي سحر ستسافر الى لبنان الثلاثاء صباحاً ستأخذ ما كتبته و تنشره عني على مدونتي.

يوم الأحد ذهبت للإطمئنان على بيتنا و التبضع. غرافيتي يسقط النظام و إرحل يا مبارك على الدبابات و الجسور و الحيطان. السوبرماركت مقتظ بزبائن يشترون بهوس. كدت أغشى من الضحك. لا أصدق فعلاً، لا أصدق، ان هذا يحصل في مصر. عشت الحرب في مقتبل العمر - أجتياح إسرائيل للبنان سنة 1982 واضح بتفاصيل عديدة في ذاكرتي.مشهد هوس التبضع بالمؤنة عادي جداً بالنسبة لي لدرجة أنني أستمتعت بمراقبة الناس. قدرتي على إستيعاب التصاعد و التوتر الذي يصحبه عالي. إكتشفت الفارق في الليالي الثلاث التي قضيتها في المربع الأمني. عائلة من سن 13 الى 40 لا تعرف الا رئيس واحد. حالة هلع دائمة و إنجراف مخيف للشائعات. كل ما أحاول تهدئتهم يعلقون على رد فعلي “الثابت”. يريدون ان يصدقوا لكنهم خائفون.


تكلمت مطولا و أكثر من مرة خلال الأيام الثلاث الماضية مع قائد رتبة جيش تحرس إحدى المداخل المؤدية الى السفارة الأميركية، أمام المبنى الذي لجئت إليه. يشعر بنفس القهر، إعترف انه هو نفسه يُقمع من الشرطة و ان حقه مغبون لكنه يقول ان الناس يجب ان تلتزم بحظر التجول لكي يستطيعوا تأمين المكان. قلت له ان منع التجول جاء نتيجة رغبة الناس ان تعبّر عن رأيها و إصرار النظام على قمعه. أبلغته بالتخريب و كل الدلائل و الشهادات الحية التي تشير الى أن المخربين من رجال الشرطة بلباس مدني يطبقون أوامر. أعترف ان الجيش نزل بكمية محدودة، "لكن بينزل, أعطونا فرصة.” قلت له ستأتي اللحظة التي سيضطر فيها أن يختار ما بين إطاعة الأوامر أو الإستماع لضميره بالهجوم على شباب عزل يتظاهر للتعبير عن رأيه. لم يقل شيئاً لكنني أعرف ان الرسالة وصلت. خلال الثلاثة أيام الماضية تكلم الكثيرون الكثيرون من المتظاهرين مع أفراد الجيش. و عندما صدر بيان الجيش ليل الإثنين بشرعية مطالب الشعب و تعهده بعدم إستخدام القوة مع الشعب تنفست مصر الصعداء. إسترجعنا الحق بالتظاهر السلمي. سيقول كل الشعب كلمته في مسيرة المليون في ميدان التحرير و في كل مدن و قرى مصر.

و أخيراً وطئت الأرض الحرة في ميدان التحرير. ذهبت اليوم (الإثنين) مع إبني نديم (4 سنوات). توافد مستمر و حثيث لشباب و عائلات و كبار السن و أكياس و أكياس من الأطعمة و مستلزمات التظاهر. إبني لبناني/عراقي/فلسطيني/مصري. لوّح بالعلم المصري و للهليكوبتر الحربي الذي يحوم في الميدان. أعطاه أحد الشبان يافطة كتب عليها "العدس ب 16 جنيه، مسكها و مشى بها بإبتسامة واسعة. شاب ثان أعطاه بسكوت و ثالث علبة عصير، سلم عليه الكثيرون.




عندما إنحنيت لمساعدة نديم بمسح عينيه إقترب رجل أربعيني و قال لي: “عفواً ال underwear باين.” إلتقط شاب زجاجة مياه فارغة مرمية على الأرض و وضعها في كيس قمامة. عند مدخل التحرير في زاوية جبل من القمامة المعبأة التي تراكمت خلال الأسبوع الفائت، جاهزة للتحميل في شاحنة القمامة. حلقات نقاش و تنوع واسع لليافطات و هتافات و رقص و عشرات المفترشين نوماً و شخص يصرخ: الله أكبر الله أكبر أنا المهدي المنتظر!” قابلت العديد العديد من الأصدقاء. أرضنا.

رجعت الي بيتي و سأشارك غداً في التظاهرة و يعود زوجي و طفلي رامي مساءً. أصبح لرامي جواز سفر أخيراً.




حملت صديقتي سحر ملك ما كتبته من القاهرة الى بيروت و دخلت
حسابي على مدونتي و حساب تويتر للنشر #Jan25 #fb

Sahar Malek in Lebanon from Cairo has accessed my blog, twitter to post my latest on my behalf #Jan25 #fb

1 comment:

  1. Ya Ranwa,
    I couldn't help weeping while reading this blog of yours. I am so happy that you are ok and that we shall soon overcome. You guys are all so great. My tears shall be with you ...

    Raid

    ReplyDelete